فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (274)}.
إن المسألة في الإنفاق تقتضي أمرين: إما أن تنفق سرًا، وإما أن تنفق علانية. والزمن هو الليل والنهار، فحصر الله الزمان والحال في أمرين: الليل والنهار فإياك أن تحجز عطية تريد أن تعطيها وتقول: بالنهار أفعل أو في الليل أفعل؛ لأنه أفضل وتتعلل بما يعطيك الفسحة في تأخير العطاء، إن الحق يريد أن تتعدى النفقة منك إلى الفقير ليلًا أو نهارًا، ومسألة الليلية والنهارية في الزمن، ومسألة السرية والعلنية في الكيفية لا مدخل لها في إخلاص النية في العطاء.
{الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم} أقالت الآية: الذين ينفقون أموالهم بالليل أو النهار؟ لا، لقد طلب من كل منا أن يكون إنفاقه ليلًا ونهارًا وقال: {سرا وعلانية} فأنفق أنت ليلًا، وأنفق أنت نهارا، وأنفق أنت سرًا، وأنفق أنت علانية، فلا تحدد الإنفاق لا بليل ولا بنهار، لا بزمن ولا بكيفية ولا بحال. إن الحق سبحانه استوعب زمن الإنفاق ليلًا ونهارا، واستوعب أيضًا الكيفية التي يكون عليها الإنفاق سرًا وعلانية ليشيع الإنفاق في كل زمن بكل هيئة، وهنا يقول الحق سبحانه وتعالى عن هؤلاء: {فلهم أجرهم عند ربهم} وهذا القول يدل على عموم من يتأتى منه الإنفاق ليلًا أو نهارًا، سرًا أو علانية.
وإن كان بعض القوم قد قال: إنها قيلت في مناسبة خاصة، وهي أن الإمام عليا كرم الله وجهه ورضى عنه كانت عنده أربعة دراهم، فتصدق بواحد نهارًا، وتصدق بواحد ليلا، وتصدق بواحد سرًا، وتصدق بواحد علانية، فنزلت الآية في هذا الموقف، إلا أن قول الله: فلهم يدل على عموم الموضوع لا على خصوص السبب، فكأن الجزاء الذي رتبه سبحانه وتعالى على ذلك شائع على كل من يتأتى منه هذا العمل.
وقول الله: {فلهم أجرهم عند ربهم} هنا نجد أن كلمة أجر تعطينا لمحة في موقف المؤمن من أداءات الإنفاق كلها؛ لأن الأجر لا يكون إلا عن عمل فيه ثمن لشيء، وفي أجر لعمل. فالذي تستأجره لا يقدم لك شيئا إلا مجهودا، هذا المجهود قد ينشأ عنه مثمن، أي شيء له ثمن، فقول الله: {فلهم أجرهم عند ربهم} يدل على أن المؤمن يجب أن ينظر إلى كل شيء جاء عن عمل فالله يطلب منه أن ينفق منه.
إن الله لا يعطيه ثمن ما أنفق، وإنما يعطيه الله أجر العمل، لماذا؟ لأن المؤمن الذي يضرب في الأرض يخطط بفكره، والفكر مخلوق لله، وينفذ التخطيط الذي خططه بفكره بوساطة طاقاته وأجهزته؛ وطاقاته وأجهزته مخلوقة لله، ويتفاعل مع المادة التي يعمل فيها، وكلها مخلوقة لله، فأي شيء يملكه الإنسان في هذا كله؟ لا الفكر الذي يخطط، ولا الطاقة التي تفعل، ولا المادة التي تنفعل؛ فكلها لله. إذن فأنت فقط لك أجر عملك؛ لأنك تعمل فكرا مخلوقا لله، بطاقة مخلوقة لله، في مادة مخلوقة لله، فإن نتج منها شيء أراد الله أن يأخذه منك لأخيك العاجز الفقير فإنه يعطيك أجر عملك لا ثمن عملك. لكن المساوي لك في الخلق هو الإنسان إن أخذ منك حصيلة عملك فهو يعطيك ثمن ما أخذ منك، فهي من المخلوق المساوي ثمن، وهي من الخالق الأعلى أجر؛ لأنك لا تملك شيئا في كل ذلك.
وبعد ذلك يقول الحق: {و لا خوف عليهم ولا هم يحزنون} والخوف هو الحذر من شيء يأتي، فمن الخائف؟ من المخوف؟ ومن المخوف عليه؟ {ولا خوف عليهم} ممن؟
يجوز أن يكون {ولا خوف عليهم} من أنفسهم؛ فقد يخاف الطالب على نفسه من أن يرسب، فالنفس واحدة خائفة ومخوف عليها، إنها خائفة الآن ومخوف عليها بعد الآن. فالتلميذ عندما يخاف أن يرسب، لا يقال: إن الخائف هو عين المخوف؛ لأن هذا في حاله، وهذا في حاله. أو {لا خوف عليهم} من غيرهم، فمن الجائز أن يكون حول كثير من الأغنياء أناس حمقى حين يرون أيدي هؤلاء مبسوطة بالخير للناس فيغمرونهم ليمسكوا مخافة أن يفتقروا كأن يقولوا لهم: استعدوا للزمن فوراءكم عيالكم. لكن أهل الخير لا يستمعون لهؤلاء الحمقى. إذن ف {لا خوف عليهم} لا من أنفسهم، ولا من الحمقى حولهم. ويتابع الحق: {ولا هم يحزنون} أي لا خوف عليهم الآن، ولا حزن عندهم حين يواجهون بحقائق الخير التي ادخرها الله سبحانه وتعالى لهم بل إنهم سيفرحون.
بعد ذلك يتعرض الحق سبحانه وتعالى إلى قضية من أخطر قضايا العصر، وهذه القضية كان ولابد أن يتعرض لها القرآن؛ لأنه يتكلم عن النفقة وعن الإنفاق ولا شك أن ذلك يقتضي منفقا ومنفقا عليه؛ لأنه عاجز، فهب أن الناس شحوا، ولم ينفقوا، فماذا يكون موقف العاجز الذي لا يجد؟ إن موقفه لا يتعدى أمرين: إما أن يذهب فيقترض، وإن لم يقبل أحد أن يقرضه فهو يأخذ بالربا والزيادة وإلا فكيف يعيش؟
إذن فالآيات التي نحن بصددها تعرضت للهيكل الاقتصادي في أمة إسلامية جوادة، أو أمة إسلامية بخيلة شحيحة، لماذا؟
لأن الذي خلق الخلق قد صنع حسابا دقيقا لذلك الخلق، بحيث لو أحصيت ما يجب على الواجدين من زكاة، وأحصيت ما يحتاج إليه من لا يقدر لأن به عجزا طبيعيا عن العمل، لوجدت العاجزين يحتاجون لمثل ما يفيض عن القادرين بلا زيادة أو نقصان، وإلا كان هناك خطأ والعياذ بالله في حساب الخالق، ولا يمكن أن يتأتى ذلك أبدًا.
وحين ننظر إلى المجتمعات في تكوينها نجد أن إنسانًا غنيا في مكان قد نبا به مكانه، واختار أن يقيم في مكان آخر، فيعجب الناس لماذا ترك ذلك المكان وهو في يسر ورخاء وغنى؟ ربما لو كان فقيرًا لقلنا طلبا للسعة، فلماذا خرج من هذا المكان وهو واجد، وهو على هذا الحال من اليسر؟ إنهم لم يفطنوا إلى أن الله الذي خلق الخلق يدير كونه بتسخير وتوجيه الخواطر التي تخطر في أذهان الناس، فتجد مكانه قد نبا به، وامتلأت نفسه بالقلق، واختار أن يذهب إلى مكان آخر.ولو أن عندنا أجهزة إحصائية دقيقة وحسبنا المحتاجين في البيئة التي انتقل منها لوجدنا قدرا من المال زائد على حاجة الذين يعيشون في هذه البيئة؛ فوجهه الله إلى مكان آخر يحتاج إلى مثل هذا الكم منه. وهكذا تجد التبادل منظما. فإن رأيت إنسانا محتاجا أو إنسانا يريد أن يرابي فاعلم أن هناك تقصيرًا في حق الله المعلوم ولا أقول في الحق غير المعلوم. أي أن الغني بخل بما يجب عليه إنفاقه للمحتاج.
والقرآن حين يواجه هذه المسألة فهو يواجهها مواجهة تبشع العمل الربوي تبشيعا يجعل النفس الإنسانية المستقيمة التكوين تنفر منه فيقول سبحانه: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275)}. اهـ.

.قال ابن القيم:

فصل: في هديه صلى الله عليه وسلم في صدقة التطوع:
كان صلى الله عليه وسلم أعظم الناس صدقة بما ملكت يده وكان لا يستكثر شيئا أعطاه لله تعالى ولا يستقله وكان لا يسأله أحد شيئا عنده إلا أعطاه قليلا كان أو كثيرا وكان عطاؤه عطاء من لا يخاف الفقر وكان العطاء والصدقة أحب شيء إليه وكان سروره وفرحه بما يعطيه أعظم من سرور الآخذ بما يأخذه وكان أجود الناس بالخير يمينه كالريح المرسلة.
وكان إذا عرض له محتاج آثره على نفسه تارة بطعامه وتارة بلباسه وكان ينوع في أصناف عطائه وصدقته فتارة بالهبة وتارة بالصدقة وتارة بالهدية وتارة بشراء الشيء ثم يعطي البائع الثمن والسلعة جميعا كما فعل ببعير جابر وتارة كان يقترض الشيء فيرد أكثر منه وأفضل وأكبر ويشتري الشيء فيعطي أكثر من ثمنه ويقبل الهدية ويكافئ عليها بأكثر منها أو بأضعافها تلطفا وتنوعا في ضروب الصدقة والإحسان بكل ممكن وكانت صدقته وإحسانه بما يملكه وبحاله وبقوله فيخرح ما عنده ويأمر بالصدقة ويحض عليها ويدعو إليها بحاله وقوله فإذا رآه البخيل الشحيح دعاه حاله إلى البذل والعطاء وكان من خالطه وصحبه ورأى هديه لا يملك نفسه من السماحة والندى.
وكان هديه صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الإحسان والصدقة والصروف ولذلك كان صلى الله عليه وسلم أشرح الخلق صدرا وأطيبهم نفسا وأنعمهم قلبا فإن للصدقة وفعل المعروف تأثيرا عجيبا في شرح الصدر وانضاف ذلك إلى ما خصه الله به من شرح صدره بالنبوة والرسالة وخصائصها وتوابعها وشرح صدره حسا وإخراج حظ الشيطان منه. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (274)}.
أخرج ابن سعد في الطبقات وأبو بكر أحمد بن أبي عاصم في الجهاد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عدي والطبراني وأبو الشيخ في العظمة والواحدي عن يزيد بن عبد الله بن عريب المكي عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «أنزلت هذه الآية: {الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرًا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون} في أصحاب الخيل».
وأخرج ابن عساكر عن أبي أمامة الباهلي قال: نزلت هذه الآية في أصحاب الخيل {الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرًا وعلانية} فيمن يربطها لا خيلاء ولضمار.
وأخرج ابن جرير عن أبي الدرداء، أنه كان ينظر إلى الخيل مربوطة بين البراذين والهجن فيقول: أهل هذه من {الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرًا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون}.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والواحدي عن أبي أمامة والباهلي قال: من ارتبط فرسًا في سبيل الله، لم يرتبطه رياء ولا سمعة كان من {الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرًا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم} الآية.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والواحدي من طريق حنش الصنعاني، أنه سمع ابن عباس يقول في هذه الآية: {الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرًا وعلانية} قال: هم الذين يعلفون الخيل في سبيل الله.
وأخرج البخاري في تاريخه والحاكم وصححه عن أبي كبشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «الخيل معقود في نواصيها الخير، وأهلها معانون عليها، والمنفق عليها كالباسط يده بالصدقة».
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن عساكر من طريق عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس في قوله: {الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرًا وعلانية} قال: نزلت في علي بن أبي طالب، كانت له أربعة دراهم فأنفق بالليل درهمًا، وبالنهار درهمًا، وسرًا درهمًا، وعلانية درهمًا.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق مسعر عن عون قال: قرأ رجل {الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرًا وعلانية} فقال: إنما كانت أربعة دراهم فأنفق درهمًا بالليل، ودرهمًا بالنهار، ودرهمًا في السر، ودرهمًا في العلانية.
وأخرج ابن المنذر عن ابن إسحق قال: لما قبض أبو بكر واستخلف عمر، خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: أيها الناس إن بعض الطمع فقر، وإن بعض اليأس غنى، وإنكم تجمعون ما لا تأكلون وتأملون ما لا تدركون، واعلموا أن بعض الشح شعبة من النفاق، فانفقوا خيرًا لأنفسكم، فأين أصحاب هذه الآية: {الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرًا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون}؟.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في الآية قال: هؤلاء قوم أنفقوا في سبيل الله الذي افترض عليهم في غير سرف ولا إملاق ولا تبذير ولا فساد.
وأخرج ابن المنذر عن ابن المسيب {الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرًا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون} كلها في عبد الرحمن بن عوف، وعثمان بن عفان، في نفقتهما في جيش العسرة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في الآية قال: كان هذا قبل أن تفرض الزكاة.
وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس في الآية قال: كان هذا يعمل به قبل أن تنزل براءة، فلما نزلت براءة بفرائض الصدقات وتفصيلها انتهت الصدقات إليها. اهـ.